رأي

رأي / ميشال بوجناح وجدل التصهين التونسي

رأي / ميشال بوجناح وجدل التصهين التونسي

07 جويلية 2017 09:44 بقلم : يوسف الشاذلي

تنويه : يفتح " آخر خبر أونلاين " نافذة للنقاش والجدل  أمام  كافة الكتّاب  والإعلاميّين  والمثقفين  حول القضايا المطروحة على الساحة ( سياسيّا و إقتصاديّا وإجتماعيّا  وثقافيّا ورياضيّا )  

و ينشر كافة الآراء التي تحترم آداب النقاش

و ينطلق اليوم بنشر رأي حول الجدل القائم بمناسبة برمجة  الكوميدي ميشال بوجناح في سهرات مهرجان قرطاج الدولي

 --------------------

 

منذ إصدار الحملة التونسية للمقاطعة ومناهضة التطبيع رسالة مفتوحة إلى وزير الشؤون الثقافية ومدير مهرجان قرطاج، والتي طالبت فيها الحملة بإلغاء عرض مبرمج ليوم 19 جويلية يُقدّمه الصهيوني ميشال بوجناح، نشب جدل واسع بين مُختلف أطياف الشعب التونسي حول فحوى رسالة الحملة كما المواضيع المُرتبطة بشكل أو بآخر بها، ومنها القضية الفلسطينية وحركة المقاطعة والصهيونية وعلاقات تونس مع الكيان الصهيوني.

 

 وقد صاحب هذا التناول جملة من المواقف المُتهافتة والمُغالِطة، صدرت عن مجموعة من المثقفين والإعلاميين وصُنّاع الرأي، سعت على نحو ما حرف النقاش وإدخاله في أزقّة مُظلمة لا يُميَّز فيها الحقّ من الباطل ولا الغثّ من السمين. اختلطت المفاهيم والمواقف في هذا الشأن بشكل عُدنا معه إلى مناقشة البديهيات التي تأسّست عليها الجمهورية التونسية الثانية، وأضحت الديمقراطية والتسامح والتعايش مفاهيم مرادفة لقبول الجميع دون تمييز بين ما ينفع الناس وما يضرّهم.

 

نغم الوطنية أو أنصر أخاك ظالما ومظلوما:

كما هو متوقّع، جاءت ردود الأفعال الناقدة لمطلب الحملة بإلغاء العرض راقصة على أنغام النشيد الوطني، رافعة لواء تونسيّة ميشال بوجناح.

وتحدّث مساندو بوجناح بإطناب عن دفاع هذا الأخير عن وطنه الأمّ، تونس، في وسائل الإعلام التي ظهر فيها، ومثّل هذا حجّتهم الرئيسة والدامغة حسب ما يتوهّمون.

أولم يسأل هؤلاء أنفسهم عن أيّ تونس هذه التي يُدافع عنها بوجناح؟ ألم يفكّروا لوهلة أنّ تونس المتصهينة هي حُلم بوجناح الذي لن يتحقّق؟ ومنذ متى كانت جنسيّة شخص تُبيح له تبنّي إيديولوجيا فاشيّة استعمارية تدعو إلى القتل والتهجير والاستيطان؟ وهل يختلف الإرهاب الصهيوني عن أيّ إرهاب ديني وفاشي آخر (إسلاميا كان أو نازيا أو مسيحيا)؟ ميشال بوجناح تونسي وهو الأمر الذي لا يُنكره أحد، ولا تُنكره الحملة صاحبة الرسالة نفسها والتي وصفته بـ"الفرنسي التونسي"، ولكن هل تشفع لبوجناح تونسيته المُكتملة أمام الإرهاب الذي يتبنّاه فكريّا وعقائديّا؟ آلاف التونسيين إرهابيون، بعضهم حارب في أفغانستان وبعضهم الآخر في سوريا والعراق وليبيا، فهل يناصرهم المدافعون عن بوجناح لمجرّد كونهم تونسيين؟ وهل سيرحّبون بهم في بلدهم تونس؟ سيقولون أنّ هذا القياس مبني للمغالطة لأنّ تونس التي يدافع عنها بوجناح ديمقراطية وتقبل الآخر بينما تونس التي يدافع عنها الإسلاميون فاشيّة رافضة للآخر، ولكنّه القياس الأقرب للواقع، فأيّ فرق بين تونس تساند الاحتلال الصهيوني لفلسطين وتونس تفرض عقيدة ما بقوّة القانون؟

 

لعبة الأقليات وإقحام الدين في السياسة:

لم تكن اسطوانة الوطنيّة المزعومة كفيلة لوحدها بحشد رأي عام مناصر لبوجناح. من ذلك كان ضروريا إضافة بعض البهارات إلى طبخة التصهين الوطنية، وأطلق المدافعون عن بوجناح العنان لتأويلاتهم الفجّة في محاولة مقيتة لإقحام يهوديّة هذا الأخير في خلاف سياسي بامتياز. وعلى سبيل المثال، اعتبرت يمينة ثابت رئيسة الجمعية التونسية لمساندة الأقليات في دعوة الحملة لإلغاء العرض "حركة معادية لليهود". فيما تحدّث أيضا إيلي الطرابلسي بشكل لافت في تدويناته على مواقع التواصل الاجتماعي عن الحسّ الوطني ليهود تونس. لم تكُن هذه الإشارات إلى دين ميشال بوجناح من باب الصدفة ولم تأت من باب الردّ على فعل "معاد لليهود" بل جاءت في إطار سياسة خلط الحابل بالنابل، وهي سياسة قديمة وقع اتباعها من قبل الحركة الصهيونية لحشد الدعم والمناصرين. وعلى الرغم من أنّ رسالة الحملة الوطنية للمقاطعة ومناهضة التطبيع لم تأت على ذكر ديانة بوجناح أصلا بل اكتفت بذكر أصوله التونسية وجنسياته (التونسية والفرنسية) وميولاته الإرهابية (الصهيونية) إلاّ أنّ المدافعين عن هذا الممثل أقحموا الديني في السياسي على أفضل نحو ممكن، في محاولة يائسة لإظهار أنصار المقاطعة كأُناس معادين لليهود أو معادين للسامية بلغة المثقفين. غريب أن نرى من كان ومازال يدافع عن علمانية الدولة، يُقحم الشأن الديني في السياسي بشكل فجّ لا يستقيم، ولمجرّد غايات دعائية، فهل انقلب القوم على أعقابهم واقتنعوا بطروحات كانوا يرفضونها حول علاقة الدين بالسياسة أم أنّ هذا الإقحام مُبرّر لهم ومُحرّم على غيرهم؟

 

البروباغندا في مواجهة موقف مُقاطع صلب وواعي:

لُعبة العقل والسفسطة، المنطق والمُغالطة، التوعية والدعاية، لعبة تعود جذورها إلى العصر الأثيني القديم، حيث وقف سقراط في وجه الموت مدافعا عن العقل. هي لعبة قديمة متجدّدة، المسافة فيها بين الحجّة والتبرير أوسع من المسافة الفاصلة بين الأرض والغلاف الجوّي. لكنّ العقل لم يكن يوما أعدل الأشياء توزيعا بين الناس، على عكس ما ادّعى ديكارت. لهذا نرى اليوم أصوات التبرير ناعقة محاولة خنق صوت الحقّ الذي يقول بكلّ وضوح: لا شأن لنا يدين بوجناح ولا بأصله وفصله، لا يهمّ إن كان تونسيا أو فرنسيا أو حاملا لأي جنسية أخرى، فنحن لا ننصّب أنفسنا أوصياء على ضمائر الناس ومعتقداتهم، ولكنّنا نرفض الاستعمار والفاشية والقتل على الهويّة، نحن نرفض أن يعتلي بوجناح مسرح قرطاج لسبب واحد لا لُبس فيه وهو أنّ هذا الفنّان المزعوم يُناصر سياسة الكيان الصهيوني الإجرامية التي تطال كلّ يوم عددا مهمّا من الفلسطينيين إمّا قتلا أو تهجيرا أو استيطانا. وقد كان هذا السبب كفيلا بإقناع أعرق منظمة نقابية وطنيّة لتبنّي طرح المقاطعة والدعوة في بيان رسمي إلى إلغاء عرض بوجناح. وقد تأكّدت صلابة موقف حملة المقاطعة من خلال المساندة التي لاقتها (خاصّة وأنها وضّحت جملة التشويهات التي حاول معسكر الصهاينة إلصاقها بها) سواء من المجتمع الدني أو السياسين فضلا عن حجم التعاطف الشعبي الذي يؤكّد في كلّ مرّة أنّ الشعب التونسي لن يتخلّى عن القيم الانسانية التي يؤمن بها، وأنّ الاستعمار مهما كانت مسمياته وأسبابه وظروفه فهو لا بدّ إلى زوال.

 

07 جويلية 2017 09:44

المزيد

رضا الدلاعي: موقف راشد الغنوشي غير مسؤولٍ والقرار ليس بيده

عبّر النائب عن حركة الشعب، رضا الدلاعي في تصريح لـ"آخر خبر أونلاين" صباح اليوم، الثلاثاء 9 جوان 2020، أن تصريح رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي غير مسؤول ولا يراعي دقة ...

09 جوان 2020 09:19

حمة الهمامي يكتب عن نبيل البركاتي في الذكرى 33 لإستشهاده

  وصل " آخر خبر أونلاين " من الأمين  العام لحزب العمال حمة الهمامي النص التالي عن نبيل البركاتي في الذكرى 33 لاستشهاده    إِلَى الخَالِد...  نبيل بَرَكَاتِي في ...

08 ماي 2020 09:07

تحليل / فيروس "كورونا" القاتل لن يقضي على العولمة

  وكالات - في أعقاب تفشي فيروس كورونا المستجد والذي يجتاح العالم حاليا، ظهرت مجموعة من المقالات التي تنعي العولمة، مثل "تفش عالمي يغذي رد الفعل العكسي ضد العولمة"، ...

26 مارس 2020 09:06

رأي / المنتفعون والخاسرون من مشروع تعديل القانون الإنتخابي في تونس... وماذا لو تأجّلت الإنتخابات؟

بقلم د. أعلية العلاني. باحث وأكاديمي في القضايا الاستراتيجية   أثار مشروع تعديل القانون الانتخابي في تونس الذي ربما يتم التصويت عليه يوم 18/06/2019 جدلا كبيرا على ...

17 جوان 2019 11:27

تحليل / تكهّنات حول أسرارٍ عسكريّة إيرانيّة وراء التراجع الأمريكي

   للمرة الثالثة في عهد الرئيس ترامب يحبس العالم أنفاسه ويبدو مشدوهاً أمام  الإنحدار نحو شفير هاوية حرب قد تتدحرج لتتهدد البشرية جمعاء، بدءاً من كوريا الشمالية ...

21 ماي 2019 08:53