إلتقى الرئيس الباجي قائد السبسي على هامش القمة العربية الأخيرة في الظهران بمحمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، و الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير شؤون الرئاسة في دولة الإمارات العربية المتحدة.
وبدا اللقاء ذو طابع بروتوكولي مجاملاتي وفق ما تم تداوله رسميّا، إلا أن قراءة العارفين بخبايا مثل هذه اللقاءات، أشارت إلى العناوين الحقيقيّة والأبعاد الرمزيّة لهذا اللقاء الذي جاء بعد صفحة جفاء بين تونس والإمارات إستمرت لفترة طويلة.
اللقاء الذي جمع الباجي قائد السبسي بنائب رئيس دولة الإمارات كان، وفق ما توفر من معطيات، صريحا وإيجابيا وقد أثمر جملة من التفاهمات التي رسمت ملامح مستقبل العلاقات بين البلدين، وأذابت أهم الكتل الجليديّة المتراكمة بين الطرفين، ولعل أهم هذا الكتل هي تلك المتعلقة بالموقف من الإسلاميين ، وقد أبدى الجانب الإماراتي تفهما كبيرا للمقاربة التي قدمها الرئيس قائد السبسي والتي تقوم على حُجة خصوصيّة الوضع التونسي و حجم تموقع الإسلاميين في الخارطة السياسية والتنازلات الكبرى التي أكرهوا على تقديمها بضغط وإستماتة القوى التقدميّة
ومن جانبه عبر الباجي قائد السبسي على تفهمه لتحفظات الجانب الإماراتي فيـما يتعلق بملف الإسلاميين وما يحف به من تعقيدات إنتهت بعمليّة فرز واضحة ليس فقط على الساحة الخليجيّة بل على الساحة الدوليّة اليوم.
اللقاء الذي مثل مقدمة هامة تمهد لقمة مرتقبة بين قيادة البلدين في المستقبل القريب والتي قد تمثل منعرجا في مستقبل العلاقات التونسية الاماراتيّة ترجم واقعيا في دعم مسؤولي دولة الامارات لتنظيم تونس للقمة العربيّة القادمة وترحابهم بهذه الخطوة التي وصفها المراقبون بعودة تونس إلى الواجهة العربيّة وإلى محور القرار وإستيعابها للمتغيرات وموازين القوى الطارئة على المنطقة العربية والعالم عموما.
تونس التي لطالما رفضت الإصطفاف إلى جانب أي طرف من أطراف الأزمة الخليجيّة وحافظت على موقف الحياد الايجابي، ولكنها في الآن ذاته بدت خلال القمة الأخيرة أكثر إستيعابا للمتغيرات ولا سيما الوقوف على حجم العزلة التي يعانيها الحلف القطري الذي لم يبد أية مراجعة لموقفه الذي يحمل في ظاهره عنوان "دعم الربيع العربي" وفي صميمه الاستبسال لفرض قوى الإسلام السياسي وتفرعاتها المتشددة كأمر واقع في المنطقة المنطقة، وما إنجر عن ذلك من موجات خراب ودمار في كل الاتجاهات.
ولأنّ الموقف الرسمي التونسي الذي يمثله الرئيس الباجي قائد السبسي كان دائم التأكيد على أن ما تعيشه المنطقة العربية ليس ربيعا إسلاميا بل "بداية ربيع تونسي" أساسه إستماتة التونسيين للدفاع عن الدولة الديمقراطيّة المدنيّة ضد محاولات المسخ الإسلاموي العنيف، فإن ميل تونس إلى الموقف الذي حسم منذ البداية مع تغول حركات الاسلام السياسي بات في تقدير أصحاب القرار ضرورة وحتميّة لا تتطلب الإرجاء.
تونس أيضا بدت على بيّنة بأن المتغيرات الجديدة في العالم قد فرضت خارطة جديدة تلعب فيها العربية السعودية وحلفائها دورا محوريا بدعم من أمريكا والقوى الغربية الكبرى، وأن المملكة السعوديّة باتت القاطرة التي تجر مواقف دول المنطقة والإقليم وأن القوى الدوليّة تراهن أكثر من أي وقت مضى على الدور السعودي في حسم الصراع مع التحالف الداعم للإرهاب ولحركات التشدد الديني.
حيال ذلك كان قبول تونس بتنظيم القمة العربيّة القادمة ودعم السعودية والإمارات لها بمثابة الحسم الرسمي لإتجاه البوصلة الدبلوماسيّة المستقبليّة لتونس، والتي تقوم أساسا على تبني خيار تحقيق المعادلة بين الإصطفاف إلى جانب المعسكر المنخرط في محاربة الإرهاب ومقاومة مد القوى الدينيّة المتشددة وبين المحافظة على خصوصيّة المعادلة التونسية الداخليّة، ولكن ذلك لم يمنع توجيه الرئيس قائد السبسي رسائل واضحة من خلال تبنيه لهذا الموقف إلى إسلاميي الداخل مفادها أن شروط اللعبة تغيّرت وأن محاولات المخاتلة والتبييت لعودة التغوّل ستصطدم مستقبلا بحصار ليس داخليا فحسب، بل أساسا بمعطيات إقليميّة ودوليّة مستجدة ستجري رياحها حتما بخلاف ما يشتهيه الإسلاميون.