رغم الريادة التونسية في سياسة التنظيم العائلي... البلاد تشهد ارتفاعا غير مسبوق للولادات منذ خمسة عقود

 تثير التصريحات المتواترة لحاتم بن سالم وزير التربية، و التي كان اخرها اليوم الجمعة 6 ديسمبر 2019، فيما يتعلق بارتفاع نسب الولاداة خصوصا طيلة السنوات الاخيرة و تداعيات الامر على المنظومة التربوية، استغرابا لدى جل اطياف المجتمع التونسي بعد عقود طويلة من نجاح سياسة لتنظيم العائلي علما ان الوزير يؤكد أنّ ارتفاع الولادات على هذا النسق سوف يؤدي، خلال الأعوام العشرة المقبلة، إلى ارتفاع عدد التلاميذ من مليونَين و121 ألف تلميذ إلى ثلاثة ملايين تقريباً.

 

 

في المقابل، تفيد معطيات و ارقام اخرى بأنّ المجتمع سائر نحو الشيخوخة نتيجة تراجع عدد الولادات، الأمر الذي يطرح مسألة تضارب المعطيات.

 

و تبرز العديد من البيانات ارتفاعا في نسب تاخر الزواج لدى الجنسين بشكل لافت.

 

و تتعالى ايضا عدة اصوات سيما من نشطاء و منظمات لاستعادة العمل بالتنظيم العائلي، الأمر الذي يجعل كلّ المعادلات متضاربة، غير انه و وفقا لآخر المؤشرات التي نشرها المعهد الوطني للإحصاء، في سياق دراسة حول الوضع الديمغرافي في البلاد، فان نسبة الخصوبة التي تشير إلى عدد الأطفال الذين يمكن للمرأة ولادتهم إذا عاشت حتى نهاية سنوات إنجابها للأولاد وولدت أطفالاً، قد شهدت خلال السنوات الأخيرة ارتفاعا ملحوظا.

 

و في هذا الإطار، بلغت النسبة 2.46 بالمائة في 2016 مقابل 2.1 بالمائة خلال 2001 و 2009.

 

و يبرز تحليل البيانات الفرعية أن من أسباب ارتفاع نسبة الخصوبة ارتفاع عدد الزيجات التي بلغت 200 ألف زيجة مقابل 160 ألف زيجة في 2010، مما أدى إلى ارتفاع عدد الولادات وتطور التركيبة العمرية من الفئة العمرية الشابة من 15 إلى 59 سنة و ذلك بنسبة 64.5 بالمائة مقابل 48.5 بالمائة سنة 1966.

 

كما شهد عدد النساء في سن الزواج ارتفاعا إلى حدود 3 ملايين و4000 امرأة سنة أي بنسبة 27.3 بالمائة من مجموع السكان غير انه تم رصد فوارق جهوية، على هذا الصعيد، ذلك أن المؤشرات ترتفع في الشمال الشرقي و تنخفض في تونس الكبرى والوسط الغربي.

 

و يعود تطور الولادات في البلاد، حسب التقييمات المعيارية و التشخيصة المنهجية للعديد من المتخصصين في العلوم الاجتماعية و السكانية، لا سيما في السنوات الأخيرة إلى عوامل داخلية يشكو منها ديوان الأسرة والعمران البشري وأخرى خارجية من ذلك أن هذه المؤسسة التي تعنى بالأمن القومي البشري ورسم استراتيجيات السياسة السكانية، تعاقب على ترؤسها بعد 2011 نحو  11 مسيرا، في فترات متفاوتة، مما حال دون إحكام التخطيط و اتخاذ القرارات الكبرى الأمر الذي انجر عنه غياب رؤية واضحة في المجال الديمغرافي.

 

كما أنه بعد 2011 خرج للتقاعد 400 موظف من الديوان لم يتم تعويضهم سوى ب 80 موظفا في انتظار استكمال بقية التعيينات التي لا تتجاوز عددا مهما وهو ما يجعل الموارد البشرية غير كافية لإسداء الخدمات.

 

أما الأسباب الخارجية فهي إيقاف نشاط المجلس الأعلى للسكان في 2010 الذي كان من مهامه رسم السياسة الكبرى للسكان هذا بالإضافة إلى إقرار ميزانيات محدودة للتنظيم العائلي لم تتجاوز هذا العام، مليوني دينار. والى جانب ذلك يعد حسب الخبراء في علوم السكان و التنمية البشرية انه من بين أسباب عودة ارتفاع عدد الولادات في الأسر التونسية رجوع الأفكار الدينية وتحريم الإجهاض واعتبار أن رزق الطّفل على الله.

 

يذكر أن برنامج التنظيم العائلي، كان قد انطلق سنة 1966 وهدفه الرئيسي آنذاك كان يتلخص في تحقيق التوازن الديمغرافي في تونس ووضع سياسة سكانية مندمجة مع السياسة التنموية في البلاد من أجل تحقيق التنمية عن طريق استعمال سياسة التنظيم العائلي للحد من النمو الديمغرافي الذي كان مرتفعا جدا إذ سجل الديوان انخفاضا في المؤشر الإجمالي للخصوبة في تونس من 7 إلى 2.4 بالمائة  بين سنة  1966 و 2014.