قضية محمود بن عياد...أو حين ينحاز التحكيم المالي الأوروبي ضد تونس

إشتهر محمود بن عياد (1810 - 1880) وهو من مواليد العاصمة و أصيل مدينة جربة و سليل عائلة شهيرة إنخرطت في خدمة العرش الحسيني كقياد و لزامة في الساحل و الأعراض بتجارة زيت الزيتون إذ نجح عدد من افرادها في تمثيل مصالح التجار الفرنسيين في البلاد التونسية و تمويل هذا النشاط، بشكل حصري.

ورث محمود بن عياد جاه عائلته و صيتها التجاري و قربها من العرش الحسيني بشكل مكنه من التدرج في مناصب : قايد جربة، قايد سوسة، كاهية بنزرت ثم ملتزما لعدد كبير من اللزمات : قرابة السبعين لزمة من قبيل لزمات تزويد الجيش التونسي الناشئ بالملابس و الجلود و الدخان و السمك و الملح، و تزويد السوق التونسية بمواد البناء مثل الجير و الجبس و الياجور اضافة الى لزمة ضريبة العشر الخاصة بالحبوب فضلا عن تمثيله لمصالح التجار الفرنسيين فيما يخص تصدير زيت الزيتون.

مرت عائلة بن عياد بمحنة سنة 1846، إثر فشل مفاوضات للحصول على قرض فرنسي التي قادها والد محمود بن عياد، وهو محمد بن حميدة بن قاسم بن عياد و انجر عنها سخط البلاط الحسيني و إزدرائه لهذه العائلة إلا ان محمود بن عياد عرف كيف يوظف هذا السخط لصالحه إذ رغم مصادرة الباي لممتلكات الأب و العمومة فإن محمود بن عياد نجح في إقناع الباي بإنشاء مؤسسة مالية تونسية وهي دار المال.

و دار المال هو بنك مهمته إصدار العملة و محاربة الغش فيها و تمويل والإستثمارات الإقتصادية و النفقات الحكومية و قد تم تمويلها جزئيا من أموال عائلة بن عياد. كما تمت تولية محمود بن عياد كقابض للدولة التونسية مسؤول مباشر على تسيير هذه المؤسسة.

إستغل محمود بن عياد نفوذه و ثروته و قربه من الباي لمراكمة ثروات كبيرة : تزوير كميات الغذاء سيما فيما يخص المواد المتنوعة الموضوعة على ذمة الجيش التونسي و بيع اذون التصدير و المضاربة و ذلك بالاساس في خصوص قيمتها و غرضها و تحويل ثروات الدولة لحسابه الخاص.

طلب محمود بن عياد، سنة 1850، بشكل سري من الحكومة الفرنسية الحصول على جنسيتها و كان له ذلك بمقتضى الأمر الإمبراطوري 7320 بتاريخ 13 سبتمبر 1852 و منذ هذا التاريخ بدأ بن عياد في تهريب أمواله لأوروبا و بخاصة لفرنسا.

و في جوان 1852 و بتعلة المداواة في فرنسا هاجر محمود بن عياد من البلاد قاصدا فرنسا حيث إستقر و حصل على الجنسية الفرنسية و أثبتت التحقيقات التي صارت في ماي 1853 أنه إختلس من الدولة قرابة 60 مليون فرنك اي ما يساوي اكثر من سبع مرات ميزانية الدولة في ذلك الحين و التي كانت انذاك في حدود ما يعادل قرابة 8 مليون فرنك.

إلتجأت الدولة التونسية للقضاء الفرنسي في محاولة لإسترداد ما يمكن إسترداده و لكن محمود بن عياد إستمال لجان التحكيم و المجتمع الفرنسي و تظلم لديهم من جور السلطة التونسية التي صادرت املاكه في تونس خصوصا فيما يهم العقارات و كان الحكم كالتالي:

اولا : الحكم للدولة التونسية بتعويض قدره قرابة 21 مليون "بياستر" وهي عملة فرنسية كانت متداولة في القرن التاسع عشر يدفعها محمود بن عياد؛

ثانيا : الحكم لصالح محمود بن عياد بتعويض قدره قرابة 27 مليون بياستر تدفعها الدولة التونسية؛

طبعا لم يستسغ الباي التونسي هذا الحكم إلا أن محاولات جمع معلومات و مؤيدات لهذه النازلة ارتطمت بشركاء محمود بن عياد داخل المملكة الذين لم يقدموا كل المؤيدات كونها تورطهم في فساد بن عياد و بقيت النازلة في أخذ و رد امام التحكيم الامبراطوري الفرنسي رغم سفر بن عياد لإسطنبول سنة 1857 التي مكث فيها لوفاته سنة 1880.

المراجع :

المديونية، السلاح الذي مكن فرنسا من السطو على تونس، الشبكة الدولية من أجل إلغاء الديون غير الشرعية؛

رسائل أحمد بن أبي الضياف السرية الى محمود بن عياد 1850 - 1853؛

مصادر مختلفة.