في العمق

في الردّ على أصحاب نظريّة " صراع الإمبرياليّات في سوريا "

في الردّ على أصحاب نظريّة " صراع الإمبرياليّات في سوريا "

09 افريل 2018 11:24 رصد

بقلم : غسان بوعزي  

ملاحظة : الأراء  الواردة  في هذا المقال  تلزم كاتبها ، و" آخر خبر اونلاين"  منفتح على كافة الآراء  ووجهات النظر  

 

درجت العديد من القوى السياسية في تونس على وصف الحرب الدائرة في سوريا بأنها صراع امبرياليات و خاصة بين ما يصفونه بـ"الامبريالية الروسية" و الامبريالية الأمريكية أو الغربية.

سنعمل في هذا المقال على دحض هذه الرؤية غير العلمية لطبيعة الصراع الدائر في سوريا و ذلك عبر الاجابة عن أسئلة مركزية : ما هي سمات الامبريالية اليوم؟ و هل أن هذا التوصيف ينطبق على دول من خارج المنظومة الغربية و بالأخص روسيا ؟ و إن لم تكن روسيا امبريالية آخذة في التوسع، فما هي دوافع تدخلها في سوريا ؟

سنعتمد في بحثنا على تعريف لينين للامبريالية، و ذلك لسببين، فمن ناحية لا يزال تعريف لينين للمرحلة الامبريالية الأكثر علمية و دقة رغم كل التطورات التي شهدها العالم طوال القرن الماضي، و من ناحية أخرى فإن أغلب أصحاب نظرية "صراع الامبرياليات في سوريا" يبنون تخيلاتهم على أسس المقولات اللينينية، غير مدركين لطبيعة التحولات التي حدثت صلب المنظومة الرأسمالية الغربية و غير مطلعين على أعمدة و سمات اقتصاديات الدول الكبرى الأخرى مثل روسيا و الصين و غيرها من الدول، التي يعتقد هؤلاء أنها بمجرد اعتمادها النظام الرأسمالي مقترنا بسياسة خارجية نشطة يضعها في خانة الدول الامبريالية.

يحدد لينين الخصائص المميزة للامبريالية ( في كتابه الامبريالية أعلى مراحل الرأسمالية ) كالتالي :

1- تمركز الانتاج و رأس المال تمركزا بلغ في تطوره حدا أدى الى نشوء الاحتكارات التي ستصبح صاحبة الدور الفاصل في الحياة الاقتصادية.

2- اندماج رأس المال البنكي و رأس المال الصناعي و نشوء الطغمة المالية على أساس "رأس المال المالي" هذا.

3- تصدير رأس المال، و هو أمر يختلف عن تصدير البضائع في طبيعته و تأثيراته و دلالاته.

4- تشكيل اتحادات رأسماليين احتكارية عالمية تقتسم العالم.

5- تقاسم الأرض اقليميا بين كبريات الدول الرأسمالية.

لقد وضح لينين التكامل و السببية بين مختلف هذه الخصائص الخمسة : فالتركز الهائل للانتاج الصناعي و ما يرافقه من تمركز للثروة، سينتجان لا فائضا بضاعيا فحسب بل و فائضا في رأس المال، و بتضافر هذا الفيض مع "ميل معدل الربح نحو الانخفاض" سـتخلق الحاجة لمزيد من التمركز و تحطيم المنافسين وصولا للاحتكار، الذي سيعزز بدوره من فيض رأس المال و انخفاض معدلات ربحه على المستوى المحلي أو الوطني، ما سيدفع نحو ضرورة تصدير رأس المال الى الخارج حيث تستمد معدلات الربح الأعلى قيمتها من رخص اليد العاملة و المواد الأولية، و هو ما يتطلب أدوات استعمارية للحفاظ على مصالح رأس المال و بالتالي توسعا و هيمنة للمركز الرأسمالي على حساب الأطراف التابعة و المنهوبة، و سينتهي الأمر بتقاسم العالم بين الاتحادات الاحتكارية و بين الدول الرأسمالية الكبرى.

بعد الحرب العالمية الثانية تطورت هذه العملية و أصبحت أكثر تعقيدا، فقد انحسرت الآليات القديمة في الهيمنة و على رأسها الاحتلال العسكري المباشر نتيجة الأوضاع السياسية الجديدة بعد الحرب ( ظهور المعسكر الاشتراكي، تفتح الوعي الوطني و بروز حركات التحرر الوطني...الخ) و أيضا نتيجة انكفاء أو انتهاء مرحلة الرأسمالية التجارية أو رأسمالية تصدير البضائع، و هي التي كانت تستوجب الاستيلاء المباشر على مصادر المواد الأولية الخام و تحويل شعوب المستعمرات الى مستهلكين.

تشكلت منظومة نهب و استعمار جديدة متماشية مع التحولات و التطورات التي عرفتها المنظومة الرأسمالية، و أصبحت الامبريالية تعتمد على أدوات جديدة على غرار آليات التبادل اللامتكافئ ( الديون، مقص الاسعار، التبعية التكنولوجية، هجرة العقول...الخ ) و على الدولار كعملة عالمية. إن تحول الدولار الى عملة عالمية خلق وضعا غير مسبوق في التاريخ، فالدولار لم يعد وسيلة للتداول و التوفير و الدفع و نقدا عالميا فقط، و لكنه أصبح بضاعة في حد ذاته، تلعب دور النقد و المعادل العام، و هو فوق ذلك بضاعة احتكارية ينتجها طرف واحد و يحتاجها أو يطلبها الجميع. و بما أن آليات التبادل اللامتكافئ تمر عبر التجارة الدولية و المؤسسات المالية العالمية ( صندوق النقد الدولي، البنك العالمي...) ، و هذه تعمل بدورها بالدولار، فإن أصحاب الدولار باتوا يمارسون نهبا مزدوجا: فهم ينهبون شعوب دول الأطراف و يقتطعون أجزاء هامة من نهب بقية الدول الرأسمالية لشعوبها و شعوب دول الأطراف. إن هذا الأمر أدى برأس المال المالي الأمريكي الى أن يصبح رأس مال مالي عالمي مهيمن يقتطع أرباحا احتكارية، و هذه إحدى أهم سمات الامبريالية اليوم على الضوء التحولات الحاصلة في الاقتصاد العالمي و المنظومة الرأسمالية.

هناك سمة أخرى تميز الامبريالية المعاصرة، فمنذ منتصف الثمانينيات تحولت المضاربة في دور البورصة من ظاهرة ثانوية الى ظاهرة أساسية ضمن عمل المنظومة الرأسمالية في الولايات المتحدة، و بعد انهيار الاتحاد السوفيتي و المعسكر الشرقي أواخر الثمانينيات و بداية التسعينات، عملت الامبريالية الأمريكية على تسليع جزء من الدولار المتضخم عبر نهب روسيا، و لكن ذلك لم يأتي بنتيجة مهمة لصالحها، فراحت تصفي كل العوائق و تسقط كل الجدران الواقفة أمام تمددها و تعيق مصالحها، و بدأت من أوروبا الشرقية و الشرق الأوسط، و كانت حرب العراق (1991) و حرب البلقان ثم تفتيت يوغوسلافيا أمثلة على الاندفاع الأولي للامبريالية، الذي كانت من دوافعه أيضا اعتبارات و ضرورات استراتيجية و جيوسياسية اعتبرتها واشنطن مهمة و حيوية في ترتيب العالم على ضوء مستجدات نهاية الحرب الباردة. لكن أزمة النظام الرأسمالي لم تحل، و كانت أزمة 1998 دافعا وراء موجة ثانية من موجات الهيمنة الاستعمارية للامبريالية الأمريكية، و كان هدفها المباشر هذه المرة الشرق الأوسط، و محاولة إعادة رسمه بما يلائم المصالح الامريكية و الصهيونية.

لقد كانت التجديدات المؤسساتية و السياسية التي أعقبت نهاية الحرب الباردة تذهب في إتجاه أن مبدأ السيادة هو مبدأ تم تجاوزه، سواء على الساحة الجيوسياسية أو في الميدان الاقتصادي. و تبعا لذلك شهدت فترة التسعينات أوج ازدهار ايديولوجيا العولمة المرتكزة على انتصار الديمقراطية الليبرالية للسوق و التي يتعين أن تحكم مجمل الكون تحت قيادة الولايات المتحدة.

و بالعودة الى روسيا، هل تنطبق الخصائص التي وضعها لينين مضافا عليها المميزات الجديدة للامبريالية المعاصرة على وريثة الاتحاد السوفيتي؟

و لنبدأ بالاحتكار، الذي لم يعد في حد ذاته مميزا من مميزات الامبريالية، فقد أصبح شائعا في العديد من دول الأطراف نتيجة سيرورة التطور الداخلي أو في إطار علاقات التبعية، و إنما يجب الوقوف على طبيعته و على حجمه. إن الشركات الاحتكارية الكبرى في روسيا مملوكة للدولة في معظمها ، خاصة في قطاعات النفط و الغاز و الكهرباء و السكك الحديدية ، و هي احتكارات ورثتها روسيا عن التخطيط الاشتراكي السوفيتي. ثم إن حجم هذه الاحتكارات لا يزال ضئيلا للغاية مقارنة بمثيلاتها في أمريكا و فرنسا و بريطانيا، و قد أوردت مجلة فوربس قائمة أكبر 2000 شركة في العالم سنة 2016، كان نصيب روسيا منها 25 شركة فقط (أغلبها ملك للدولة الروسية)، بينما تضم دولة كالهند مثلا 56 شركة من مجموع القائمة، و السعودية 21 شركة، و للبرازيل 19 شركة، أما الولايات المتحدة الأمريكية فلها 540 شركة. فهل يجعل ذلك من البرازيل و الهند و السعودية مثلا ناهيك عن روسيا دولا امبريالية ؟ ثم إن الشركات الروسية المدرجة في القائمة و منها مثلا شركة غازبروم و روزنافت الأعلى ترتيبا ( 75 و 73 ) هي من طبيعة استخراجية، أي أنها تقوم على تصدير بضائع خام ذات قيمة مضافة منخفضة، و بعبارة أخرى فإن تصديرها يعتبر جزا من علاقات التبادل اللامتكافئ، حيث تذهب تلك المواد الى الدول الأخرى ليعاد تصنيعها و تباع بأسعار أعلى بكثير.

أما فيما يتعلق برأس المال المالي، و حسب قائمة تضم أكبر 100 بنك في العالم تبعا لأصولها المالية لعام 2016، هناك بنك روسي واحد تبلغ أصوله 404 مليار دولار و رتبته 69 ( خمس أصول البنك العاشر في الترتيب و هو بنك ياباني ) ، بينما ضمت القائمة 5 بنوك للبرازيل، و 6 بنوك لكوريا الجنوبية و بنكين لسنغافورة.

و حصة الفرد الروسي البالغ من الأصول المالية سجلت في 2016 رقم قدره 2.197 دولار، بفرق هائل عن حصة الفرد البالغ في الولايات المتحدة المقدر بـ 287.782 دولار.

و فوق ذلك كله، فإن حجم تداولات البورصة الروسية يكاد يكون تافها للغاية و غير ملحوظ بالمقارنة مع حجم التداولات المالية في البورصات العالمية، فحجم التداول في بورصة موسكو بلغ 447 مليار دولار ضمن تداول عالمي يقدر بـ70 تريليون دولار، أي أن حجم روسيا ضمن البورصة العالمية أقل من 1 بالمائة، في المقابل فإن حجم الولايات المتحدة الأمريكية يبلغ 40 بالمائة من جملة التداولات العالمية للبورصة.

لقد شدد لينين على أن التطور و الاندماج المستمر لرأس المال الصناعي برأس المال البنكي في المرحلة الامبريالية سيجعل من البنوك مؤسسات "ذات طبيعة عالمية بحق"، و هو أمر لم تصل إليه البنوك الروسية بأي شكل من الأشكال.

تصدير رأس المال : كما ذكرنا سابقا، فإن الاحتكار و انخفاض معدلات الربح على المستوى الوطني مقرونا باندماج رأس المال الصناعي مع رأس المال البنكي سيؤدي الى عملية تصدير لرأس المال بحثا عن معدلات ربح أعلى معتمدة على البضائع ذات القيمة المضافة العالية، و الربح هنا لا يستمد قيمته من البضائع عالية التصنيع فحسب بل و على علاقات التبادل اللامتكافئ أيضا. و بالنظر الى المعطيات التي يقدمها مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة و التنمية فإن مجموع الأصول الروسية خارج روسيا بلغ سنة 2014 قيمة 258 مليار دولار ما يمثل 1 بالمائة من مجموع الأصول الموجودة خارج بلدانها في العالم، بينما تبلغ أصول الولايات المتحدة ربع الإجمالي العالمي، و أوروبا أكثر من 50 بالمائة منه.

ووفقا للمنظمة نفسها، فقد بلغ الاستثمار الروسي في الخارج عام 2011 مقدار 362.101 مليون دولار، في حين بلغت الاستثمارات الأجنبية في روسيا 457.474 مليون دولار، أي أنها تسجل عجزا في الاستثمارات الأجنبية قدره 95.373 مليون دولار حتى عام 2011، وبكلام آخر فإن روسيا بالمحصلة هي بلد مستورد صاف لرأس المال، وليس مصدرا له.

بالمقابل بلغ حجم الاستثمارات الأجنبية للولايات المتحدة الأميركية وأوروبا في الخارج في عام 2011 على التوالي 4.499.962 مليون دولار 10.443.870 مليون دولار، أي أن حصتهما معاً من الاستثمار الأجنبي الخارجي في العالم شكلت 70.6% من حجم الاستثمارات الأجنبية في العالم ما يحيل على أنهما مصدرين صافيين لرأس المال.

و بالنسبة للاحتكارات العالمية، فإن شركات الاحتكار الرئيسية الروسية تعمل في مجالات النفط و السلاح، و لا تمثل الحصة السوقية لروسيا في قطاع النفط سوى 12.4 بالمائة و تأتي بعد الولايات المتحدة و السعودية. أما في مجال تصدير الأسلحة فإن روسيا تستحوذ على ما يقارب 27 بالمائة من السوق العالمية في مقابل 31 بالمائة للولايات المتحدة، و قد ورثت روسيا صناعة الأسلحة بشكل أساسي من الاتحاد السوفيتي، و لم تبدأ في تطوير هذا القطاع الا في السنوات الأخيرة.

أما في ما يخص الخاصية الخامسة و هي المتعلقة باقتسام العالم بين الاحتكارات العالمية و بين الدول الرأسمالية و ما يتبع ذلك و يترافق معه من تمدد القوة المسلحة حماية لمصالح رأس المال، فنظرة بسيطة لعدد القواعد العسكرية لبعض الدول خارج أراضيها كفيلة بتقديم دلالة عن مدى انخراط روسيا ضمن هذه العملية، إذ تملك روسيا 9 قواعد عسكرية خارج حدودها، معضمها في دول كانت تابعة للاتحاد السوفياتي، و واحدة فقط في الوطن العربي و هي قاعدة طرطوس البحرية، و تملك دولة كالهند 6 قواعد خارج أراضيها، و تركيا 4، و فرنسا 11، و بريطانيا 17، أما الولايات المتحدة فتملك أكثر من 600 قاعدة خارج حدودها.

إن التمدد العسكري الروسي أو الصيني أو حتى الهندي جاء في إطار استراتيجية الأمن القومي لهذه الدول و القائمة على دعامتي التاريخ و الجغرافيا، أما في ما يتعلق بالولايات المتحدة و دول فرنسا و بريطانيا فإن هذا الخروج العسكري جاء في أغلبه، تاريخيا و حاضرا، استجابة لضرورة حماية المصالح التجارية و الاقتصادية و تأمين الممرات و منابع الطاقة الحيوية. كان الغرب الامبريالي و مركزه المعاصر الولايات المتحدة الوحيد الذي دفع بقواته العسكرية غازيا و مجتاحا بغاية تأمين مصالحه الاقتصادية و المالية و وضعه "الامبراطوري" ، و لا يمكن مقارنته بتدخلات روسيا في جورجيا مثلا ( التي كانت تتطلع للانضمام لحلف الناتو المبني أساسا على معاداة روسيا ) أو في أوكرانيا، حيث فرضت ذلك اعتبارات الأمن القومي لموسكو في تخومها و حدودها المباشرة.

لقد أوصلت القراءة السطحية و غير العلمية للواقع الدولي أصحاب الربوة و "النقاء الايديولوجي" الى ثرثرات تافهة في ما يتعلق بالحرب الدائرة في سوريا. لقد أخذوا مسافة عما يحصل و الأهم عما يسيل من دماء يعتقد هؤلاء أنها دماء "وكيلة"، و الحقيقة أن أكثر ما يثير الاشمئزاز في هذه القراءة ليس اعتبار روسيا امبريالية، و إنما تبخيس تضحيات الشعب السوري و مقاتليه، و تحقير سوريا في ما يحصل من أحداث و تطورات يكاد ينطبق عليها وصف حرب عالمية في سوريا و هو على كل حال أدق من وصف حرب امبرياليات في سوريا.

لا نعلم ما هو المعيار الحقيقي لهؤلاء في توصيف هذا الصراع، فإتخاذ معيار موازين القوى حتى في لا وعي جماعات الربوة يجد مناقضه في حالات أخرى، فإذا كان هذا هو المعيار المستخدم، فلا بد أن القراءة المنسحبة عنه في حالة الثورة الكوبية مثلا هي أنها صراع امبرياليات بين الولايات المتحدة و الاتحاد السوفيتي، أي أنها جزء من التمدد الشيوعي السوفيتي في الحديقة الخلفية لأمريكا، و هذه للمفارقة هي نفس قراءة واشنطن لما حصل و كاد أن ينتهي بحرب نووية بين القوتين الأعظم. و بالتداعي فإن الحرب في كوريا و فيتنام و اليونان أثناء الحرب الباردة هي أيضا حروب بالوكالة بين القوتين الأعظم، نظرا لضآلة ميزان القوة المحلي بالمقارنة مع موازين القوى المتدخلة و الداعمة لهذا الطرف أو ذاك.

إن النقيصة الأساسية في تصور أصحاب هذه النظرية هي تلك المتعلقة بالاستراتيجيا و حسابات المصالح الجيوسياسية، و في حين أنها تنبع من الجانب الغربي من مصالح اقتصادية و استرايتيجية فإنها من جانب دول مثل روسيا و الصين و الهند تنبع من مصالح الأمن القومي لهذه الدول. فليس خافيا على أحد أن مخطط الغرب يقوم على الانتهاء من الشرق الأوسط و تنصيب "اسرائيل" شرطيا اقليميا لشؤونه و الانتقال في ما بعد الى الشرق الأقصى و محاصرة روسيا ( عبر أوروبا الشرقية و آسيا الوسطى ) و الصين ( عبر دول جنوب شرق آسيا و المحيط الهادئ و عبر ايران ).

لم تتدخل روسيا في سوريا عسكريا و بشكل مباشر إلا في سنة 2015، أي بعد ما يقارب 4 سنوات من عمر الأزمة، و لم يكن تدخلها ذلك قسريا على الدولة السورية بل بطلب منها يكاد يكون شبيها بطلب التدخل السوفيتي المباشر في حرب الاستنزاف زمن عبد الناصر، وكانت الغاية من ذلك وقتها رفع مستوى الصراع الى المستوى الدولي المباشر بين القوتين الأعظم بهدف فسح المجال أمام إعادة بناء القوات المسلحة المصرية و حماية أجواء مصر خاصة في العمق من أجل التحضير لمعركة تحرير سيناء، و هو أمر مشابه للحالة السورية حيث أدى التدخل الروسي الى تغطية عمل القوات المسلحة السورية عبر رفع مستوى المعركة الى مستوى دولي.

و لا يمكن بأية حال من الأحوال وضع مقارنة متوازنة بين قيمة الدعم المالي و اللوجستي الذي تحظى به المجموعات الارهابية العميلة من طرف الامبريالية الأمريكية و الدول التابعة لها و حجم الدعم الذي تقدمه روسيا لسوريا، فهذه الأخيرة تعتمد على قطاع عام منتج و صلب تعود جذوره الى التخطيط الاشتراكي في الستينات، إضافة الى عقيدة عسكرية وطنية ظلت معادية للغرب الامبريالي و للصهيونية الى اليوم، و حولهما نجد حزاما شعبيا داعما يقوم على دعامتين أساسيتين في سوريا : أولهما الطبيعة العلمانية للدولة السورية التي تضمن وحدة البلاد و هي حاضنة لعشرات الطوائف و المذاهب و الأديان و الأعراق، و ثانيهما وعي شعبي عميق بأن الغاية الأساسية من الحرب الموجهة ضد الدولة في سوريا هو تحطيم كل المنجزات الوطنية خلال العقود السابقة و تقسيم البلاد وفق اعتبارات طائفية و عرقية و تحويلها الى النمط الرأسمالي التابع للمركز الامبريالي.

لقد اعتبرت كل من روسيا و الصين أنه وقع خداعهما في الحرب على ليبيا سنة 2011، و تم استغلال "احتفاضهما البناء" حول قرار يقضي بـ"حماية السكان و المناطق المدنية" عبر احترام منطقة حضر الطيران مع استبعاد "نشر قوات احتلال أجنبية"، لإسقاط الحكومة الليبية بل و كامل جهاز الدولة في ليبيا، و قد فات هذه القوى اعتماد الامبريالية الغربية على وكلاء محليين من عتاة الرجعية المدعومة من إمارات و مشايخ الخليج العربي من أجل تحقيق مصالحها.

إن التحالف القائم بين الامبريالية الغربية و الاسلام السياسي الرجعي ليس وليد السنوات الأخيرة، فروسيا تعلم أن بريطانيا استخدمت الاسلاميين لتقويض مصالحها و أمنها في آسيا الوسطى لعقود في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، و حديثا في الشيشان و في المناطق الجنوبية لروسيا حيث تكثر أعداد المسلمين الروس. و الصين كذلك تدرك المخاطر التي تواجهها في اقليم شنغيانغ حيث يعيش سكان صينيون مسلمون عملت الدول الغربية مبكرا على استغلالها و توجيهها في اتجاه الانفصال القائم على اعتبار الدين. كما أن الصين التي تعيش نهضة صناعية كبيرة تحتاج الى الطاقة أكثر من أي وقت مضى، و هي تعتمد بشكل كبير على ايران، و سقوط وسط آسيا تحت النفوذ الغربي سيعني محاصرة بكين و خنقها إذا وضعنا نصب أعيننا التحركات الأمريكية في السنوات الأخيرة لمحاصرة الصين عبر الطرق البحرية و دول على تخومها ( تايوان )

 

*عضو المكتب السياسي  للتيار الشعبي .

09 افريل 2018 11:24

المزيد

التعادل في رادس وسوسة يؤجل حسم مصير البطولة

 تعادل النجم الرياضي الساحلي مع ضيفه الترجي الرياضي التونسي (0-0)، السبت 10 جوان 2023، في المباراة التي جمعتهما لحساب الجولة 11 من مرحلة التتويج للرابطة ...

10 جوان 2023 19:33

أزمة التعليم الأساسي وملف المعلمون النواب الى أين؟ .. متى ومن سيحسم الجدل؟

راهنت تونس منذ فجر الاستقلال الى اليوم على قطاع التعليم والاستثمار فيه وتم اعتباره قاطرة التنمية بفضله تم بناء مؤسسات الدولة وتحقيق العديد من الأهداف  وعلى الرغم ...

10 نوفمبر 2022 11:13

النساء المعنّفات في تونس... جرح مفتوح وقانون مع "وقف التطبيق"

 بوجه شاحب عليه بعض الكدمات وآثار تعذيب، تتقدم إحدى ضحايا العنف الزوجي لفرقة مختصة  في البحث في قضايا العنف  ضد المرأة والطفل  بالعاصمة، بشكاية  ضد زوجها الذي ...

24 مارس 2022 13:45

تونس تواجه موجة اضرابات متصاعدة... انتقادات لسياسة حكومة بودن واتهامات بخلق أزمة

بعد توصل الطرف الحكومي ممثل في وزارة الصناعة والطاقة والمناجم والطرف الاجتماعي الممثل في الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية الى اتفاق ينهي ...

24 مارس 2022 12:52

بعد لقاء اذابة الجليد... الطبوبي يحذّر وسعيّد يلمّح لحوار وطني

 "لا تنائي ولاجفاء" ..بهذه الكلمات استقبل رئيس الجمهورية قيس سعيّد الأمين العام للاتحاد العام التونسي نور الدين الطبوبي في آخر لقاء جمعهما  خلال جانفي المنقضي ...

23 مارس 2022 14:27