أثار تعيين مواطن تونسي يهودي الديانة على رئاسة قائمة بلدية المنستير في إطار الإنتخابات البلدية القادمة الكثير من التعاليق وبعض اللغط، ويبدو أن ذلك كان بسبب ترشيحه من قبل حزب النهضة ذو المرجعية الإسلامية... ولا شكّ أن إقدام هذا الحزب على هذه الخطوة كان لتحقيق عدة أهداف لعل أهمها محاولة إبراز "مدنية" الحزب والتأكيد على فصل السياسي عن الدعوي (الديني)، وهي رسالة موجهة لعدة أطراف داخلية وخارجية، كما أن ترشيح سيمون سلامة في المنستير بالذات مسقط رأس أول رئيس للجمهورية التونسية يحمل عدة دلالات سواء للدستوريين أو لغيرهم... وعلى أهمية هذه الخطوة ورمزيتها وأبعادها المختلفة (التوظيف) فإن الأمر لا يبدو غريبا في تاريخ تونس المعاصر والراهن
فقبل الإحتلال تم تعيين قايد اليهود نسيم شمامة، رئيسا لخزينة الإيالة غير أنه فرّ إلى إيطاليا حاملا معه كميات كبيرة من أموال الدولة.... وعندما أصدر الباي محمّد الصادق سنة 1861 دستورا، إقترح تعيين عناصر يهودية من المستشارين في المجلس الكبير (البرلمان) وهو ما أدى إلى نشوب جدل بين أحمد بن أبي الضياف المساند لهذا الإقتراح وأمير الأمراء الجنرال حسين صديق خير الدين باشا وأمين سره الذي عارض هذه الفكرة بإعتبار أنّ المقترحين من يهود الڨرنة، يمثلون المصالح الأجنبية أكثر من تمثيلهم المصالح الأهلية.
وزمن الإستعمار حاول الوطنيون، وخاصة قيادة الحزب الحرّ الدستوري التونسي، إستمالة يهود تونس إلى النشاط الوطني. فأشركوهم في الوفود الحزبية إلى فرنسا للمطالبة بإصلاحات وخاصة الوفد الثالث سنة 1921، بل أسسوا معهم "لجنة عربية - يهودية للمطالبة بالإستقلال".
وأجاز القانون الأساسي للحزب الحرّ الدستوري التونسي (1920) العضوية لكل تونسي مسلما أو يهوديا من غير المتجنّسين بجنسية أجنبية والقاطنين بالقطر التونسي الإنخراط في الحزب على أن يلتزموا بمبادئ الحزب ويقسموا يمين الإخلاص لبرنامج الحزب على كتاب دينهم... وضمت اللجنة التنفيذية عددا من الأقلية اليهودية إذ تم إنتخاب ألبير بسيّس (يهودي تونسي) أمينا للمال بالنيابة (21 ماي 1921) كما ضمت اللجنة التنفيذية إيلي جريح والمحامي ألبير وازن ولكنهم لم يحضروا أي إجتماع من إجتماعات الحزب...
وعينت حكومة الإستقلال وزيرا يهوديا في الحكومة التي تأسست غداة الحكم الذاتي في جوان 1955 (ألبير بسيس حكومة الطاهر بن عمار) وعيّن المرحوم الحبيب بورقيبة في أوّل حكومة بعد الإستقلال التام في مارس 1956 المرحوم أندري باروش، وزيرا للأشغال العمومية والإسكان كما أنتخب نائب يهودي في المجلس التأسيسي سنة 1956 وهو المجلس الذي إلتأم لوضع دستور للبلاد سنة 1959، وأنتخب نائب يهودي في المجلس التشريعي الأول في سنة 1959 والثاني سنة 1964.
وفي الانتخابات البلدية الأولى بعد الإستقلال (1957)، ترشح عدد هام من اليهود في عدة قائمات. ففي القائمة الشيوعية (العمل لفائدة الشعب) ترشّح 4 منهم على بلدية تونس وهم: جورج عدة (موظف) وجورج فلانري (طبيب) وروجي بسموت (معلم) ودانيال لنبرّوزو (موظف)، والقائمة الدستورية (النهوض الإجتماعي) رشحت 12 يهوديا : فعلى بلديات تونس (2) وسوسة (2) وصفاقس(2) وأريانة (2) وحلق الوادي (1) وساقية سيدي يوسف (1) وسبيطلة (1) وجربة (1).
د.عبد اللطيف الحناشي أستاذ التاريخ السياسي المعاصر والراهن.