تحاليل

في العمق / ترامب وقطر: تأزيم الملفات الخارجية لن يفكك حصاره الداخلي

في العمق / ترامب وقطر: تأزيم الملفات الخارجية لن يفكك حصاره الداخلي

13 جوان 2017 12:56 رصد
  •  تحليل لـ"مركز الدراسات الأمريكية والعربية "

دقائق إعتقدها البعض كافية لسبر أغوار "الموقف الأمريكي" المرجو والمعلن، ليسفر عن ضبابية جديدة في التوجهات الأمريكية إزاء الأزمة "المفتعلة" داخل دول الخليج. أزمة قصدت الرياض إرغام ما تعتبره ملحقاتها الجغرافية للتسليم بالسير خلف قيادة "المملكة السعودية" بمباركة من الرئيس الأمريكي، بحجة مواجهة إيران.

 

السؤال المركزي الثابت على كل لسان يتمحور حول ماهية حقيقة الموقف الإمريكي، إن وجد، وتعبيراته وأدواته وآفاقه وتطبيقاته. أما أسباب الأزمة الحقيقية فهي أبعد ما تكون على رأس سلم أولويات الساسة والقادة الأمريكيين، نظرا لأن الأطراف كافة لا تشذ عن خدمة السياسات الأمريكية.

 

لن يجازف عاقل بالجزم في هذه المسألة في ظل سمة التخبط الطاغية على السياسات الأمريكية، داخليا وخارجيا، بالنظر إلى الديناميكيات التي تشهدها الساحة الأمريكية والصراع المفتوح بين مراكز قوى متعددة دفعت المؤسسات الإعلامية التقليدية الإقرار بوجود "سلطة عميقة" خفية تتحكم بمفاصل الدولة.

 

إنفرجت أسارير الكثيرين داخل وخارج المؤسسة الحاكمة لما ينوي الرئيس ترامب إعلانه، الجمعة 9 جوان، عن تحديد توجهاته من الأزمة الخليجية خلال مؤتمر صحفي يعقده مع ضيف الزائر رئيس رومانيا، كلاوس يوهانيس.

 

راهن الكثيرون على أن الإعلان المرتقب سيأتي "ترجمة للسياسة الأمريكية الراهنة" لإعادة تصويب البوصلة مع حلفاء أمريكا من دول الخليج العربي الذين يربطهم" قاسم مشترك بين أمرائه الشباب في التنافس على إكتساب الرضى الأمريكي"، وفق توصيف مركز دراسات وزارة الدفاع الفرنسية.

 

وسبق تصريح البيت الأبيض إعلان وزارة الخارجية عن تلاوة موقف يدلي به وزير الخارجية ريكس تيلرسون؛ الذي تأخر 90 دقيقة عن الموعد المحدد، ولخصه في ظرف 90 ثانية برسالة مقتضبة حملت مواقف محددة بلهجة توافقية للتصالح بين الاطراف الخليجية، وعرض وساطة أميركية للقيام بذلك. تخلل الموقف اشارة قاسية لقطر "لتاريخها بدعم مجموعات متنوعة" تتراوح بين ممارسة النشاط السياسي وبين ممارسة العنف،” ومناشدته السعودية بقبول وساطة امير الكويت بتغطية اميركية واضحة.

 

غادر تيلرسون مبنى وزارة الخارجية على الفور ليلحق حضور المؤتمر الصحفي المشترك في حديقة البيت الابيض والجلوس في المقاعد الأمامية دون تأخير.

 

إعتلى الرئيس ترامب المنصة ليفجر موقفا مغايرا لما حدده وزير الخارجية قبل برهة قصيرة متهماً قطر بأنها "موّلت تاريخيا الإرهاب على مستوى عالٍ جدا .. والتوقف فوراً عن تمويل الإرهاب"

 

* زمـام القرار:

 

لا يبرح المسؤولون الأمريكيون التأكيد على أن بلادهم هي مجموعة مؤسسات متماسكة تتحكم بمفاصل القرار، وان تباينت الرؤى بينها لدرجة التناقض. وهي السردية المفضلة التي ينطوي عليها بعض من المصداقية، بيد ان مركزية المصالح الاقتصادية والمالية المتشعبة تشي بتسليم صنع القرار لمجموعة اخرى مؤتمنة على الاستراتيجيات بعيدة المدة، ابرزها مؤسسة الاستخبارات والأمن المتعددة والصناعات العسكرية والمصرفية.

 

ذلك الفهم اضحى من المسلمات ايضا، ليبرز الى التداول العام مصطلح "الدولة العميقة" على نطاق واسع، كهيئة واضحة المعالم تتحكم بمفاصل القرار الحقيقي. الرئيس ترامب، من جانبه، ابرز المؤسسة العسكرية في مقدمة الهيئات التي ترسم مصير البلاد، أيضا، يبرع المسؤولون الأمريكيون بالتأكيد على أنه لا يوجد خلاف داخل المؤسسة الحاكمة، مهما تباينت المواقف، وأن الرئيس يمثل سياسة الدولة في نهاية المطاف. وربما ينبغي عليهم إجراء مراجعة دقيقة لتلك السردية في عصر ترامب الذي لا يولي إهتماما لأي من وزراء حكومته وينشر ما يخطر على باله في وسائط التواصل الإجتماعي، "تويتر" بشكل خاص.

 

في هذا الصدد، صرح خلال المؤتمر الصحفي المشترك سالف الذكر، 9 جوان ، بالقول الصريح "قررت مع وزير الخارجية ريكس تيلرسون، وكبار جنرالاتنا وطواقمنا العسكرية، أن الوقت حان لدعوة قطر إلى التوقف عن تمويل (الإرهاب)"

 

سبق توصيفه أعلاه إجراءه مكالمة هاتفية مع أمير قطر، تميم آل ثاني، يوم 7 جوان، أعرب فيه عن جهوزيته إستضافة لقاء في البيت الأبيض يضم زعماء الدول الخليجية لإستدراك الموقف "والتأكيد على أهمية عمل دول المنطقة بشكل جماعي للحيلولة من تمويل المنظمات الارهابية وإيقاف الترويج لإديولوجية التطرف"، حسبما جاء في بيان رسمي صدر عن البيت الأبيض.

 

للإنصاف والتحلي بالموضوعية، إعتبرت النخب الفكرية والسياسية الاميركية أن زيارة الرئيس ترامب للرياض، وما رافقها من إغداق مالي غير مسبوق في تاريخ العلاقات الدولية، بأنها "أطلقت فتيل المواجهة الأخيرة داخل مجلس التعاون الخليجي" لخشية النخب الجمعية من التقارب السياسي الاميركي مع المملكة السعودية “على حساب صلب الدعاية السياسية الاميركية بالدفاع عن حقوق الانسان.”

 

تجدر الإشارة أيضا إلى أن الوزارات السيادية الأميركية، الخارجية والدفاع، لزمتا الحذر والخطاب الموزون نسبيا في التعاطي مع دول الخليج، محذرتين من “مخاطر اطلاق وعود براقة لحلفاء أميركا من الدول العربية لن تسطيع الوفاء بها، لا سيما في سوريا أو اليمن، والأهم راهنا في قطر”

 

أما النخب الأميركية المعنية تحيل توقيت الانفجار في الخلاف الخليجي إلى "تراجع الدور القيادي للرئيس ترامب، والرسائل المتعددة التي صدرت عن اقطاب ادارته .. ربما تضافرت جميعها لإنضاج عوامل الأزمة.” بل تجزم بأن الزيارة “وفرت ضوءاً اخضر للرياض وابو ظبي اتخاذ اجراءات صارمة ضد قطر"

 

ما جاء في سياق سوريا، في خضم الأزمة الاخيرة، له تجلياته الميدانية على درجة بالغة الأهمية. نورد في هذا الصدد تصريح المتحدث باسم قيادة القوات المركزية الاميركية، رايان ديلون، 8 حزيران، قائلا إن "قوات التحالف (الدولي) لا تنوي مواجهة عسكرية مع النظام السوري او قواته الحليفة"

 

كما أكدت وزارة الدفاع، البنتاغون، على الأمر عينه ي اليوم التالي، 9 جوان، على لسان المتحدث الرسمي جيف ديفيس بالقول “الاشتباكات السابقة في سوريا كانت للدفاع عن النفس، ونأمل ان لا نكررها مرة اخرى.” ولمزيد من التوضيح اضاف ان “الولايات المتحدة لا تسعى لقتال اي طرف غير داعش” في سوريا. ويأمل المسؤولون الاميركيون ان تتلقى الرياض وتوابعها الرسالة الاميركية الخاصة بسوريا على وجه السرعة.

 

كما أن الرئيس ترامب، في مؤتمر سالف الذكر، ارسل رسالة اخرى للسعودية دون تسميتها بالقول "أريد ان أطلب من كل الدول التوقف فورا عن دعم الارهاب .. اوقفوا تعليم الناس قتل أناس آخرين"

 

قطر وصفها ترامب في لقاء الرياض بأنها “شريك استراتيجي بالغ الأهمية؛” اما الرسالة “التصالحية” الاميركية نحوها فيحيلها الاميركيون الى تواجد اكبر قاعدة عسكرية اميركية في المنطقة على اراضيها، العديد واخرى في السيلية، اذ تضم الاولى ما ينوف عن 10،000 عسكري اميركي. كما ان قطر تتحمل "كامل كلفة" التواجد العسكري الاميركي على أراضيها.

 

يُذكر ان الرياض وابو ظبي طالبتا الولايات المتحدة بنقل مقر قيادة القوات الوسطى من قاعدتيها العسكريتين من قطر الى بلديهما، بيد ان القادة العسكريين الاميركيين يعتبرون ان مسألة النقل "أمر غير وارد .. وكلفته باهظة تصل الى عدة مليارات من الدولارات، فضلا عن استغراق العملية لبضع سنوات"

 

* ماذا بعد ؟

 

قفز ترامب بيسر من موقف الى نقيضه، والذي يبدو هو الثابت في توجهات الادارة الحالية. فيما يخص قطر تأرجح بين وصفها “بحليف استراتيجي بالغ الأهمية،” الى نعتها بدولة راعية للارهاب في ظرف أيام معدودة.

 

النخب الفكرية الاميركية والأقلية المقربة من ترامب ترجح ان “التناقض” الظاهري جاء ترجمة للقاءات الرياض واستحواذه على مخزون كبير من عائدات النفط والسيولة المالية كرد عرفان من البيت الابيض للرياض وابوظبي وتسليم دفة قيادة الدول الخليجية تحت عباءتهما.

 

أما “البعبع” الايراني، الحاضر الدائم في الخطاب السياسي الاميركي والخليجي على السواء، لا يصمد امام النظر الى متطلبات المصالح الاستراتيجية الاميركية التي طال انتظارها للاستثمار في السوق الايرانية، عقب الاتفاق النووي، ابرز تجلياتها كانت في صفقة الطائرات المدنية بين طهران وشركة بوينغ الاميركية.

 

النخب الفكرية والسياسية الاميركية النافذة، بعد اقرارها بضرورة دعم واشنطن لحلفائها الاقليميين، تحذر الادارة من مفاقمة الأزمة مع طهران بتسليم حلفائها الخليجيين دفة قيادة الصراع معها، لما ينطوي عليها من مخاطر تهدد المصالح الاميركية ان استمرت واشنطن في ممارسة دور “القيادة من الخلف.” بل “سيصرف الاهتمام ويقوض الاهداف السياسية الاميركية،” حسبما افادت يومية واشنطن بوست، 9 جوان.

 

عند التدقيق في “الأهداف الاميركية” يبرز الى الواجهة سعيها المستمر لزعزعة استقرار المنطقة واثارة الفوضى كي يتسنى لها الانقضاض التام وتطبيق مخططات التقسيم والهيمنة، ولتكن بأدوات محلية – وهو الدرس المحوري الذي خرجت به بعد غزوها واحتلالها للعراق والخسائر العالية في العتاد والارواح التي لا زالت تقض مضاجع سياسييها واستراتيجييها على السواء.

 
ترامب المحاصر داخليا بتهمة الكذب والتضليل والمهدد بالتحقيقات واستكمال ملف إجراءات الاقالة من معارضيه يغامر باستخدام التأزيم في الملفات الخارجية لدرء المخاطر الجدية الداخلية، والأزمة مع وحول قطر مخاطرة قد تنقلب الى عكس ما يشتهيه خاصة وان احتمالات انهائها بسرعة لا تبدو في الافق القريب.
13 جوان 2017 12:56

المزيد

منطقة جنوب شرق آسيا لا يُرجَّح أن تعود إلى معدلات النمو السائدة قبل الجائحة في عام 2023

  قبل جائحة كوفيد، كانت منطقة جنوب شرق آسيا واحدة من أكثر المناطق ديناميكية حول العالم مع أعلى توقعات نمو. وكانت الاقتصادات الستة الأكبر في رابطة دول جنوب شرق آسيا ...

10 سبتمبر 2023 19:30

الكتاب الحدث في "فلسفة" الجماعات الارهابية ومصادر التمويل الحديثة.. "أبجدية تمويل الإرهاب"

  "أبجدية تمويل الإرهاب" الكتاب الحدث لسنة 2022 والذي صدر يوم 24 مارس 2022، للسيناتور  ناتالي جولية، عضو مجلس الشيوخ الفرنسي عن منطقة أورني منذ عام 2007 ونائبة رئيس لجنة ...

11 افريل 2022 14:28

بعد ظهور بوادر ايجابية... هل تعصف رياح الحرب الروسية الأوكرانية بأمل انتعاش السياحة في تونس ؟

 تزامنا مع الازمة الاقتصادية و الحرب الروسية الاوكرانية ...هل تراهن تونس على الموسم السياحى لانقاذ عجلة الاقتصاد الوطني ؟  بلغت الخسائر التى تكبدها قطاع السياحة ...

25 مارس 2022 12:23

بيريز الطرابلسي: 80 بالمائة من ممتلكات اليهود تمّ الاستيلاء عليها ورفضت تولّي ابني روني الطرابلسي حقيبة وزارية

    "كي تقول الغريبة تقول بيريز الطرابلسي" هذا ما قاله لي الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي خلال استقبالي في القصر الرئاسي  هكذا أجابنا ضيفنا رئيس جمعية معبد ...

28 اكتوبر 2021 12:42

لا حسيب ولا رقيب على الرئيس... سعيّد أمام خيارَيْن والبرلمان إنتهى

 لم يعد يفصلنا على انتهاء مدة الـ30 يوما التي حددها رئيس الجمهورية للعمل بالاجراءات الاستثنائية والقرارات المعلن عنها تزامنا مع عيد الجمهورية  في 25 جويلية 2021 ...

19 اوت 2021 14:33